بقلم : محمد العورج
في ظل تصاعد الاحتقان الاجتماعي بالمغرب، تتجه الأنظار نحو الأحزاب السياسية بوصفها مؤسسات يفترض أن تلعب دورًا محوريًا في تأطير المواطنين، خاصة فئة الشباب، والدفاع عن مطالبهم. غير أن الواقع يكشف عن أزمة بنيوية عميقة داخل هذه التنظيمات، أزمة تتجلى في ضعف التأطير، غياب الديمقراطية الداخلية، وانشغال القيادات الحزبية بالمناصب على حساب الوظائف التأطيرية والتواصلية، مما ساهم في تغذية حالة من التذمر الشعبي، وخلق فراغ سياسي خطير استغلته جهات خارجية لأغراض إقليمية.
من أبرز مظاهر الأزمة الحزبية في المغرب، انتخاب الأمناء العامين عبر آليات شكلية يغلب عليها التصفيق بدل التنافس الديمقراطي. فغالبًا ما تُعقد المؤتمرات الحزبية في أجواء احتفالية تفتقر إلى النقاش الجاد، حيث يُعاد انتخاب نفس الوجوه دون مساءلة أو تقييم للأداء. هذا النمط من “الانتخاب بالتزكية” يُفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها، ويُكرّس الزعامة الفردية على حساب العمل المؤسساتي.
غياب التداول الحقيقي على القيادة يُنتج نخبًا حزبية غير متجددة، غير قادرة على فهم التحولات المجتمعية، ولا تملك أدوات التواصل الفعّال مع الشباب، مما يُعمّق الهوة بين الأحزاب والمجتمع.
تشير مؤشرات الثقة السياسية إلى أن نسبة كبيرة من الشباب المغربي لا يثقون في الأحزاب، ولا يرون فيها أدوات للتغيير أو فضاءات للتعبير عن طموحاتهم. هذا الانفصال لا يعود فقط إلى ضعف البرامج، بل إلى غياب التأطير الميداني، وانعدام المبادرات التي تستهدف الشباب في الجامعات، الأحياء، ومواقع التواصل.
الأحزاب التي يُفترض أن تكون مدارس للمواطنة، باتت منشغلة أكثر بالمناصب والصفقات السياسية، متناسية دورها الأساسي في تكوين وتأطير الأجيال الصاعدة. هذا التراجع في الوظيفة التأطيرية خلق فراغًا خطيرًا، دفع جهات غير حزبية إلى استغلاله وتوظيفه في اتجاهات لا تخدم المصلحة الوطنية.
الفراغ الذي تركته الأحزاب في تأطير الشباب لم يظل بلا تبعات. فقد أصبح هذا الفراغ أرضًا خصبة لتغلغل خطابات شعبوية أو دينية أو حتى انفصالية، تُوظف الشباب في مشاريع لا تخدم الاستقرار الوطني، بل تُغذي التوترات وتُهدد التماسك الاجتماعي. بعض الجهات الإقليمية وجدت في هذا التهميش فرصة لتجنيد الشباب المغربي في أجندات إعلامية أو سياسية موجهة، مستغلة غياب البديل الحزبي الجاد.
في عصر الرقمنة، فشلت معظم الأحزاب المغربية في مواكبة التحولات التكنولوجية التي غيرت طريقة تفاعل الشباب مع السياسة. بينما يعتمد الشباب على منصات التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للوعي السياسي، لا تزال الأحزاب تعتمد على أساليب تقليدية في التواصل، مما زاد من عزلتها عن الواقع الشبابي.
إن تجاوز هذه الأزمة يتطلب إصلاحًا داخليًا شاملًا يعيد الاعتبار للديمقراطية داخل الأحزاب، ويُفعّل التداول الحقيقي للقيادات، ويُعزز الشفافية في اختيار المرشحين وصياغة البرامج. كما يجب أن تُعيد الأحزاب تعريف وظيفتها بما ينسجم مع التحولات السوسيو-ثقافية والتكنولوجية، وتُعيد بناء جسور الثقة مع الشباب عبر آليات تواصل تفاعلية ومحتوى يعكس همومهم اليومية.
إن استمرار الأحزاب المغربية في تجاهل مطالب الشباب، والانشغال بالمناصب على حساب التأطير، لا يُهدد فقط مستقبل هذه التنظيمات، بل يُهدد استقرار البلاد ككل. فالشباب ليسوا فقط طاقة احتجاجية، بل قوة اقتراحية قادرة على تجديد الحياة السياسية إذا ما أُتيحت لهم الفرصة، وتم الاعتراف بدورهم كمحرك أساسي للتغيير.